سلسلة مقالات حول التاريخ الجزائري المجيد :
المقال السادس الموسّع: الاحتلال الفرنسي – بداية الاستعمار (1830–1954)
⚔️ مقدمة: الغزو من البحر... بداية قرن ونصف من المقاومة
في صيف 1830، نزلت القوات الفرنسية على شواطئ سيدي فرج، وقبل نهاية يوليو، كانت العاصمة الجزائرية قد سقطت، لكنّ الجزائر كأمة لم تسقط.
وراء هذا الغزو كانت تكمن أطماع استعمارية قديمة تسعى إلى السيطرة على مفترق طرق استراتيجي في غرب المتوسط، مدعومة بحجج واهية مثل "حادثة المروحة".
🟡 من "حادثة المروحة" إلى السيطرة على العاصمة
🧿 الذريعة الرسمية:
في 1827، وخلال اجتماع مع القنصل الفرنسي، غضب الداي حسين بسبب المماطلة الفرنسية في تسديد ديون تخص شحنات قمح أُرسلت لفرنسا خلال حروبها النابليونية.
فرفع مروحة وضرب بها القنصل على وجهه — فأعلنت فرنسا الحصار البحري على الجزائر لمدة 3 سنوات، قبل أن تتخذ القرار العسكري بالغزو.
🎯 الأهداف الحقيقية:
-
تحويل الأنظار عن الأزمة السياسية الداخلية في فرنسا بعد سقوط نابليون.
-
ضمان منفذ استراتيجي في المتوسط لمنافسة بريطانيا وإسبانيا.
-
الاستيلاء على ثروات الجزائر الزراعية والمعدنية.
⚔️ احتلال العاصمة ثم التمدد الوحشي داخل البلاد
-
في 5 يوليو 1830، استسلم الداي حسين بعد تفاوض يُقال إنه ضمن حماية السكان وأملاكهم — لكن فرنسا خرقت الاتفاق فورًا.
-
بدأت بعدها حملة شرسة نحو الداخل:
-
مصادرة الأملاك.
-
تدمير المؤسسات التعليمية والدينية.
-
تحويل المساجد إلى كنائس وثكنات.
-
✊ مقاومات جزائرية جبّارة (1830–1871)
1️⃣ الأمير عبد القادر (1832–1847): بطل الدولة الجزائرية الحديثة
-
شكّل مقاومة من طراز دولتي: نظام حكم، جيش، إدارة، عملة.
-
خاض حرب عصابات ذكية ضد الجيوش الفرنسية في الغرب الجزائري.
-
وقع مع فرنسا اتفاقية التافنة عام 1837، ثم نقضتها فرنسا لاحقًا.
-
صمد لـ15 عامًا، لكنّ الفارق في التسليح والدعم الأوروبي أجبره على الاستسلام.
2️⃣ مقاومة أحمد باي (1837–1848): أسد الشرق
-
قاوم في قسنطينة التي كانت آخر معقل رسمي عثماني.
-
أعاد تنظيم الجيش واستطاع صد أول هجوم فرنسي عام 1836.
-
سقطت المدينة في حملة ثانية، لكنه واصل القتال في الأوراس حتى وفاته.
3️⃣ ثورة الزعاطشة (1849): نموذج للفداء الصوفي
-
بقيادة الشيخ بوزيان، أحد تلاميذ الزوايا.
-
تحصّن في واحة الزعاطشة، وقاوم حتى الموت.
-
أُعدِم بوزيان وقطعت رأسه، وعلّقت على مدخل بسكرة في مشهد وحشي.
4️⃣ ثورة المقراني والشيخ الحداد (1871): أكبر انتفاضة شعبية
-
قادها المقراني في منطقة القبائل، بدعم من آلاف المتطوعين.
-
شكّلت رد فعل مباشر على تجنيد الجزائريين إجباريًا خلال الحرب الفرنسية-البروسية.
-
أحرقت فرنسا مئات القرى وصادرت أكثر من 2.5 مليون هكتار من الأراضي بعد فشل الثورة.
🪙 الاستعمار الاستيطاني: سحق الإنسان وتجفيف الوطن
💰 مصادرة الأراضي:
-
تحوّل الفلاح الجزائري إلى أجير فقير في أرضه.
-
وُزّعت أفضل الأراضي الزراعية على المعمرين الفرنسيين والمالطيين والإيطاليين.
📵 حرب ضد الهوية:
-
أُغلقت الزوايا والمدارس القرآنية.
-
منع استخدام اللغة العربية في التعليم والإدارة.
-
تم تحويل المساجد إلى كنائس وثكنات مثل مسجد كتشاوة الذي حُوّل إلى كاتدرائية.
⚖️ قانون الأهالي (Code de l’indigénat):
-
قانون عنصري صدر سنة 1881، يجعل من الجزائريين مواطنين من الدرجة الثانية.
-
يُعاقبهم على "جرائم خاصة" مثل الانتقال من منطقة لأخرى، التجمع، أو إقامة شعائر دينية جماعية.
-
لا يسمح لهم بامتلاك الأسلحة أو المشاركة في السياسة.
🟢 ظهور الحركة الوطنية (1919–1954)
🎓 النهضة الفكرية والثقافية:
-
بقيادة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بقيادة عبد الحميد بن باديس والبشير الإبراهيمي.
-
شعاراتها: "الإسلام ديننا، والعربية لغتنا، والجزائر وطننا".
-
أسّست مدارس حرة وجمعيات ثقافية، وأحيت الهوية العربية الإسلامية.
🗳️ النشاط السياسي:
-
مصالي الحاج أسّس أول حزب وطني: نجم شمال إفريقيا (1926) ثم حزب الشعب الجزائري.
-
فرحات عباس دعا في البداية للإصلاح ثم تحوّل إلى المطالبة بالاستقلال.
-
تأسيس جبهة التحرير الجزائرية في الخفاء عام 1954 كان ثمرة هذا الوعي السياسي.
🕯️ الخاتمة: قرن من المقاومة الصامتة قبل الانفجار
الجزائريون لم يتوقفوا عن المقاومة، حتى وهم بلا سلاح.
أحيا المعلم في القسم، والخطيب في المنبر، والصوفي في الزاوية، والصحفي في جريدته... روح الوطن.
وفي 1 نوفمبر 1954، تفجرت تلك الروح مجددًا على شكل ثورة مسلحة، دامت 7 سنوات، لتنهي أطول استعمار مباشر في العصر الحديث.
📚 مراجع ومصادر موسعة:
-
تاريخ الجزائر الحديث والمعاصر – أبو القاسم سعد الله
-
الأمير عبد القادر: رجل الدولة والمجاهد – أندريه نيس
-
الاستعمار الفرنسي في الجزائر – الجرائم والمقاومات – جيلبير ميني
-
أرشيف الثورة الجزائرية
-
تقارير الأمم المتحدة (1952–1962)